التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مشاهد مبعثرة من مخيم الزعتري #2

  
   حين وصلت الى بوابة المخيم الرئيسية, لم أتمالك نفسي من إخراج اّلة التصوير خاصتي لتوثيق المشهد الذي كان لا يصدق. مع أن السائق نبهني أكثر من مرة-قبل مغادرتنا- بتجنب التقاط الصور أمام البوابة الرئيسية وتجنب التفكير حتى بإخراج الكاميرا هناك بالتحديد, كون دخولي الى المخيم بدون تصريح أمني واّخر"إعلامي" لاّلةالتصوير يعد مخالفاً للقانون وسيعرضنا " لقصة طويلة عريضة" حسب قوله نحن في غنى عنها.

   كنت جالسة في الكرسي الخلفي للسيارة ألتقط الصوروأنا
 مبهورةٌ بالمكان الذي كان خالياً من كل شيء, باستثناء الحياة. حين داهمني فجأةً صوت رجال الأمن -الذين لم انتبه لهم- وهم 
يصرخون بأعلى صوتهم " وقفوا السيارة, معها كاميرا" وركضوا باتجاهي مسرعين ولم تمنعهم حركة السيارة من فتح بابي, ليسحب أحدهم اّلة التصوير من بين يديّ ويأمرني الاّخر بالترجل فوراً من .السيارة
                          *.*.*

  دعاني أبو نادر إلى منزله, الذي كان عبارة عن "كرفانتين" فُتحت كل منها على الأخرى. يعتبر أبو نادر من المحظوظين لأنه لا يقطن في خيمة, ولا في كرفانة واحدة ضيقة.كونه "مختاراً" في المخيم و(...) يستدعي أن يكون منزله لائقاً بمنصبه.

*.*.*

   تسمرت في مكاني, لم أكن أقوى على الكلام أوالحركة من شدة ارتباكي, وأدركت حين سحب ألة التصوير من يدي كم كان تصرفي أخرقاً ومتهوراً, و"القصة الطويلة العريضة" التي نبهني عنها 
السائق كنت أنا بطلتها.

  أخذت نفسا عميقا ونزلت من السيارة, سألني لأي جهة أتبع ولم
 قمت بالتصوير وأنا أعلم بأنه ممنوع وأين تصريحي الأمني... ؟  لم أعرف بماذا يفترض أن أجيبه, فبدأت تخرج مني جمل غير مترابطة لا تقدم أي معنىً مفيد. أسعفني السائق حينها, وبدء هو بلإجابة.
                          *.*.*

   يضم منزل أبو نادر حماماً, وغرفةً للنوم وأخرى للجلوس و"أرض ديار" مزروعة بالورد. كان الأثاث بسيطا جداً, متمثلاً بفرشات اسفنجية ملونة نقوشها تماثل نقوش ستائر الغرفة. كان المنزل بسيطاً ومرتباً لأبعد الحدود, وتفاصيله الدافئة تشعرك بأنك في منزل حقيقي لولا جدرانه الصفيح وأسوار المخيم العالية المنتهية بحبل شائك, تذكرك بأنك لست في أرضك ولا منزلك ولست بمخيم حتى, بل بما يشبه المعتقل.  

*.*.*

  هددني رجل الأمن بأني سأدخل المخفر إن لم أحذف المادة المصورة, وشرح لي جيدا بأن هذا أفضل خيار, نظراً بأن المخفر 
مكان "لا يليق" بفتاة مثلي.
  
 تأسفت له, وشكرته على وقته وجهده.ركبت السيارة وأنا أتنفس الصعداء, وأحاول جاهدةً أن أكتم ابتسامة الانتصار التي علت وجهي, لأني لم أحذف المادة المصورة, بل تظاهرت بحذفها فحسب.

*.*.*

  لفتني أثناء تجوالي مع أبو نادر في أزقة المخيم, رسومات أشجار وورود وطيور برية بعثت الحياة في جدران الصفائح الميتة والقحط الذي أحاط بهم من كل الجهات.  
كانت تلك الرسومات البسيطة تروي حكاية شعب بأكمله, شعب يجلب 
معه حياةً وروحاً لا تقهر أينما حل, حتى في بقعة الموت تلك.


لمشاهدة الجزء الأول   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.