حين وصلت الى بوابة المخيم الرئيسية, لم أتمالك
نفسي من إخراج اّلة التصوير خاصتي لتوثيق المشهد الذي كان لا يصدق. مع أن السائق
نبهني أكثر من مرة-قبل مغادرتنا- بتجنب التقاط الصور أمام البوابة الرئيسية وتجنب
التفكير حتى بإخراج الكاميرا هناك بالتحديد, كون دخولي الى المخيم بدون تصريح أمني
واّخر"إعلامي" لاّلةالتصوير يعد مخالفاً للقانون وسيعرضنا " لقصة طويلة
عريضة" حسب قوله نحن في غنى عنها.
كنت جالسة في الكرسي الخلفي للسيارة ألتقط الصوروأنا
مبهورةٌ بالمكان الذي كان خالياً من كل شيء, باستثناء الحياة. حين داهمني فجأةً
صوت رجال الأمن -الذين لم انتبه لهم- وهم
يصرخون بأعلى صوتهم " وقفوا
السيارة, معها كاميرا" وركضوا باتجاهي مسرعين ولم تمنعهم حركة السيارة من فتح
بابي, ليسحب أحدهم اّلة التصوير من بين يديّ ويأمرني الاّخر بالترجل فوراً من .السيارة
*.*.*
دعاني
أبو نادر إلى منزله, الذي كان عبارة عن "كرفانتين" فُتحت كل منها على
الأخرى. يعتبر أبو نادر من المحظوظين لأنه لا يقطن في خيمة, ولا في كرفانة واحدة
ضيقة.كونه "مختاراً" في المخيم و(...) يستدعي أن يكون منزله لائقاً
بمنصبه.
*.*.*
تسمرت في مكاني, لم أكن أقوى على الكلام
أوالحركة من شدة ارتباكي, وأدركت حين سحب ألة التصوير من يدي كم كان تصرفي أخرقاً
ومتهوراً, و"القصة الطويلة العريضة" التي نبهني عنها
السائق كنت أنا
بطلتها.
أخذت نفسا
عميقا ونزلت من السيارة, سألني لأي جهة أتبع ولم
قمت بالتصوير وأنا أعلم بأنه
ممنوع وأين تصريحي الأمني... ؟ لم أعرف
بماذا يفترض أن أجيبه, فبدأت تخرج مني جمل غير مترابطة لا تقدم أي معنىً مفيد.
أسعفني السائق حينها, وبدء هو بلإجابة.
*.*.*
يضم منزل أبو نادر حماماً, وغرفةً للنوم وأخرى
للجلوس و"أرض ديار" مزروعة بالورد. كان الأثاث بسيطا جداً, متمثلاً
بفرشات اسفنجية ملونة نقوشها تماثل نقوش ستائر الغرفة. كان المنزل بسيطاً ومرتباً
لأبعد الحدود, وتفاصيله الدافئة تشعرك بأنك في منزل حقيقي لولا جدرانه الصفيح
وأسوار المخيم العالية المنتهية بحبل شائك, تذكرك بأنك لست في أرضك ولا منزلك ولست
بمخيم حتى, بل بما يشبه المعتقل.
*.*.*
هددني رجل
الأمن بأني سأدخل المخفر إن لم أحذف المادة المصورة, وشرح لي جيدا بأن هذا أفضل
خيار, نظراً بأن المخفر
مكان "لا يليق" بفتاة مثلي.
تأسفت له, وشكرته على وقته وجهده.ركبت السيارة
وأنا أتنفس الصعداء, وأحاول جاهدةً أن أكتم ابتسامة الانتصار التي علت وجهي, لأني
لم أحذف المادة المصورة, بل تظاهرت بحذفها فحسب.
*.*.*
لفتني أثناء
تجوالي مع أبو نادر في أزقة المخيم, رسومات أشجار وورود وطيور برية بعثت الحياة في
جدران الصفائح الميتة والقحط الذي أحاط بهم من كل الجهات.
كانت تلك الرسومات البسيطة تروي حكاية شعب بأكمله, شعب يجلب معه حياةً وروحاً لا تقهر أينما حل, حتى في بقعة الموت تلك.
لمشاهدة الجزء الأول
تعليقات
إرسال تعليق