هي تلك الخطوات التي تخطوها في شارع لا ينتهي. ذلك النوع من المشي الذي تتحاشى من خلاله النظر الى الوجوه المحيطة بك، وتظن بأن ظهرك المحني ليس إلا كتلة من الحزن المتحجرة، وبأن جسدك شفاف. ذلك المشي السريع الذي تتحاشى فيه التنفس لأن رئتاك من كثر ما امتلئتا بالدخان والخذلان لم تعد قادرتان على مجاراتك. ذلك القلق الذي يعلق بالقدمين كالطين. الطين، لم أعد أعلم متى تحولت الى قطعة من طين الصلصال، أجول بين ملاءات الأسرة المتسخة أبحث فيها عن يدين دافئتين لتعيد تشكيلي. ذلك الذي سرق ظلي حين أخذني أمام عتبة الباب. يديه اللتان تسللتا من ثقب ما في النافذة، تلك البقع السوداء التي ملئت أرضية الغرفة والسرير المعدني الذي كان عارياً من كل شيء إلا من وسادة لطخت بالعرق واللعاب ورعشات الخطيئة الأولى، عن الستارة التي كانت تنسدل منها الظلال لتقضم وجهه ثم جسده كتفاحة. لأبقى وحيدة أمام الباب بنصف ظل، وبيد ثقيلة أرتديها حول عنقي قبل أن أخلد إلى النوم كل ليلة.