التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوميات \\4

ما زلت تلك الفتاة التي تختار الزاوية المنعزلة في المقهى. اختار البقعة التي تجعل من وجودي غير مرئياً للناس الغارقين في فواضهم. أجلس في صمت خفيف أراقب المارة والجالسين أرسم قصصاً عن الغرباء وأحتسي قهوتي ببطئ. أتساءل في نفسي عما إذا كنت قادراً على حفظ تفاصيلي الصغيرة، بأنني أفضل القهوة من دون وجه، بأني انتظرها بصبر لتركد وإن كنت على عجل أغسل وجه الكوب بمنديل ورقي لأرتشفه عارياً، أتساءل إن كنت تعلم أن عيار الفنجان الواحد عندي يساوي ثلاث سجائر.
أتساءل إن كنت قادراً على حفظ ملامحي، تلك الشامة الصغيرة التي ترقد فوق قرط أنفي بالضبط. أذناي الصغيرتان. شعري الذي أقصه بنفسي. أتساءل إن كنت قد وقعت في حب وحمتي الصغيرة الموجودة على ركبتي اليسرى. الندبات التي توزعت على جسدي كتذكار دائم على الانتصار، حرق على قدمي اليمنى، ثلاث ندبات خطية على ساقي اليسرى وعلى معصم يدي اليمنى. لم تكن تعي المعارك التي كنت أخوضها كل ليلة مع نفسي، تلك المعارك التي تخوضها مهزوم الجسد والروح إلا أنك تنجح بالانتصار فيها وأنت مكبل اليدين. كنت مؤمناً بالعقل،أجل، إلا أنك كنت جاهلاً بحقيقة مفادها أن العاطفة تنبع من العقل أيضاً.
ما زلت تلك الفتاة التي تجلس في المقهى وحيدة على طاولة خصصت لشخصين،أستحضر شبحك الذي كان ومازال معصوب العينين، الذي يمشي عاجزاً عن الاحساس بوهج الأشياء ولذة دهشتها الأولى، قلبك البخيل الذي لم يتعلم كيف يقع في حب التفاصيل الصغيرة، يدك المشلولة التي فقدت الإحساس بملمس الأشياء، يدك الأمية التي تجهل قراءة الأجساد العارية بأكثر الطرق بدائيةً.
إن العمر لا ينتظر أحداً، لذلك قررت أنا أن لا أنتظره أيضاً.


23\8\2016



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.