التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوميات \\ 3


كان أخرقاً في ممارسة الحب، لم يكن مقبلا بارعاً ايضا. كان يثمل من رشفة واحدة. ويعاني تكبلاً مزمناً في أمعاءه مما يجعل مزاجه نزقاً بشكل غير محتمل.

لم يجد قراءة شعر السياب. وكان ذوقه رديئاً في الموسيقى. و لم يكن قادراً على سماع الموسيقى الخفيفة التي تصدح بشكل رقيق في الخلفية.
تلك الموسيقى التي تقبع في الخلف، هي ما يجعل للسيمفونيات مذاقاً حلواً. أظن أنني مثلها، أقبع في الخلف وأصدر همهات غير محسوسة. أصدر ايقاعاً يجاهد كل يوم لأن يكون مسموعاً من قبل الصخب الذي يحيطني.
ربما لم يكن بارعاً في ممارسة الحب، ولم يكن مقبلاً بارعاً ولا سكيراً يثمل كل ليلة ليخرس رأسه. لم يكن يقرأ شعر السياب ولا يدرك الحزن الموجود في مقطوعة سوناتا القمر، إلا أنه كان قادراً على النوم، وقادراً على الكلام لساعات من غير أن يكون مهتماً حقاً إن كانت الاذن التي تقابله منصتة. كان سعيداً بوصل فراغات الهواء وغزلها بالوقت

هناك سينما مهجورة توجد في الجزء الشرقي من المدينة حسبما أذكر. كانت السينما تلك من أبرز معالم المدينة فيما سبق. كان للدينار القدرة على شراء ساعة ونصف من السعادة النقية التي لا تسترد الا بدينار آخر. الان أتصور انها أصبحت مرتعاً للمدمنين والفارين من ضجيج هذا العالم.
إن كنت بناءاً سأكون ذلك البناء المهجور الذي غرقت جدرانه ببول مشردي المدينة وقيء ثمليها وتآوهات عاهراتها وسوائل أجساد القوادين الذين لا يفرقون عن مشاهدي شاشات السينما لأنهم يشترون ساعة من السعادة الخالصة أيضاً التي لا تسترد الا بنفس قيمتها. سأكون ذلك البناء المهجور من بين كل الابنية الجميلة، لانه كان قادراً على احتواء كل ذلك الخراب والمضي قدماً بوجوده دون أن يكترث حقاً. تماماً كالذي كان يمارس الحب بخراقة تامة.


-من اليوميات التي كتبت في الدفتر الاحمر 30-6-2016


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.