ذكرت لك من قبل بأنني أشعر بأن تدويناتي نبوءات،
وبأن الشخصيات التي أكتب عنها ما هي إلا امتداد لي بشكل أو بآخر، وبأنني بصدد
التحول الى أحدها، هذاإن لم أكن قد تحولت وانتهى الأمر.
قبل سنتين من الآن، انفطر
قلبي. ربما الإنسان قادر على الإمساك بزمام أموره أمام أصعب مصائب الحياة والإنهيار
أمام أبسطها، لشدة تفاهة رباطة جأشنا. لا يهم، إذن انفطر قلبي. كنت صغيرة وساذجة،
وأمضيت ثلاثة أيام أرسم جدارية على حائط غرفتي. كثير من السجائر وكثير من
الموسيقى. رسمت جدارية لوجوه متداخلة كالتي أرسمها عادة.
الاّن نقلت سريري، وأصبحت أغفى أسفلها. الجدارية
عبارة عن تسع وجوه واضحة وربما عشر وجوه أخرى مخفية وإن حدقت جيدًا فيها ستجد وجهي.
تلك الجدارية والتدوينة أيضاً هي من محصلة الخوف الذي أحمله في داخلي، والذي أعيش
معه مضطرة. أحاول أن أتجاهله، وأن أدعي أنني لا اسمع صوته الذي يحدثني، ووجهه الذي
يطاردني كل ليلة. لا أعلم، لم أعد أعلم شيئاً. لم أعد أعلم كيف أعيش، وكيف أكل
وكيف أشرب، لقد فقدت أبسط مهارات الحياة أثناء محاولتي للهرب من نفسي. لقد فقدت الكثير
من وزني مؤخراً،وأصبحت ابتلع حبوب "السعادة" كيفما اتفق. حبة، اثنتان،
ثلاثة، لا يهم. سأبتلع شريطًا بأكمله وأضع رأسي على وسادتي لاحظى بليلة نوم هانئة
من دون أحلام. لا أعلم كيف وصلت إلى هنا، وكيف تحولت إلى امرأة جبانة تردي ثوب
التمرد كل صباح وتخلعه كل ليلة. كنت طفلة قادرة على الحب والحياة. الآن أصبح الحب
شهوة، والحياة نزهة بطيئة نمشيها برأس مطأطىء وظهر محني أمام ثقل أوزارنا.
كل البشر أنبياء، لم يكن المسيح وحيدًا حينما
مشى طريقه وهو يحمل صليبه الخشبي على ظهره. الذين كانوا يبكونه وهو في طريقه إلى
الموت، حزنهم كان أشد ثقلاً من الصليب الخشبي. التعساء أنبياء،إنهم يحملون حزنهم
على ظهورهم كل صباح، ولا يخلعونها حتى حين ينامون.
لقد
ضللت طريق خلاصي إلى الأبد ومع ذلك أشعر أن فيّ شعلةً تنتظر شيئاً ما. شيئًا أكبر
من الحياة والموت. لقد سئمت نفسي، وسئمت الخوف والإنتظار والاستماع
إلى الآخرين، قل لهم بأني أهز رأسي فقط. وأنهم حين يفتحون شفاهم لا أكون منصتة إلا
لأصواتي الداخلية.
أعلم أننا لم نلتقي، وبأننا ربما ما زلنا غرباء.
لكني أستطيع أن أنهي يومي بأن أرسل نصاً لك،وألا أشعر بذنب إزاء الإدعاء الذي
أعيش فيه كل يوم. حتى ولم ألتقي بك لهذه اللحظة، إلا أني كنت حقيقية أمامك.
أنا اثرثر
مجدداً، كن بخير. وسأحاول أن استجمع قواي لأعيش هذا اليوم أيضًا.
تعليقات
إرسال تعليق