التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت \\ 3

ذكرت لك من قبل بأنني أشعر بأن تدويناتي نبوءات، وبأن الشخصيات التي أكتب عنها ما هي إلا امتداد لي بشكل أو بآخر، وبأنني بصدد التحول الى أحدها، هذاإن لم أكن قد تحولت وانتهى الأمر.
       
 قبل سنتين من الآن، انفطر قلبي. ربما الإنسان قادر على الإمساك بزمام أموره أمام أصعب مصائب الحياة والإنهيار أمام أبسطها، لشدة تفاهة رباطة جأشنا. لا يهم، إذن انفطر قلبي. كنت صغيرة وساذجة، وأمضيت ثلاثة أيام أرسم جدارية على حائط غرفتي. كثير من السجائر وكثير من الموسيقى. رسمت جدارية لوجوه متداخلة كالتي أرسمها عادة.

الاّن نقلت سريري، وأصبحت أغفى أسفلها. الجدارية عبارة عن تسع وجوه واضحة وربما عشر وجوه أخرى مخفية وإن حدقت جيدًا فيها ستجد وجهي. تلك الجدارية والتدوينة أيضاً هي من محصلة الخوف الذي أحمله في داخلي، والذي أعيش معه مضطرة. أحاول أن أتجاهله، وأن أدعي أنني لا اسمع صوته الذي يحدثني، ووجهه الذي يطاردني كل ليلة. لا أعلم، لم أعد أعلم شيئاً. لم أعد أعلم كيف أعيش، وكيف أكل وكيف أشرب، لقد فقدت أبسط مهارات الحياة أثناء محاولتي للهرب من نفسي. لقد فقدت الكثير من وزني مؤخراً،وأصبحت ابتلع حبوب "السعادة" كيفما اتفق. حبة، اثنتان، ثلاثة، لا يهم. سأبتلع شريطًا بأكمله وأضع رأسي على وسادتي لاحظى بليلة نوم هانئة من دون أحلام. لا أعلم كيف وصلت إلى هنا، وكيف تحولت إلى امرأة جبانة تردي ثوب التمرد كل صباح وتخلعه كل ليلة. كنت طفلة قادرة على الحب والحياة. الآن أصبح الحب شهوة، والحياة نزهة بطيئة نمشيها برأس مطأطىء وظهر محني أمام ثقل أوزارنا.

 كل البشر أنبياء، لم يكن المسيح وحيدًا حينما مشى طريقه وهو يحمل صليبه الخشبي على ظهره. الذين كانوا يبكونه وهو في طريقه إلى الموت، حزنهم كان أشد ثقلاً من الصليب الخشبي. التعساء أنبياء،إنهم يحملون حزنهم على ظهورهم كل صباح، ولا يخلعونها حتى حين ينامون.

 لقد ضللت طريق خلاصي إلى الأبد ومع ذلك أشعر أن فيّ شعلةً تنتظر شيئاً ما. شيئًا أكبر من الحياة والموت. لقد سئمت نفسي، وسئمت الخوف والإنتظار والاستماع إلى الآخرين، قل لهم بأني أهز رأسي فقط. وأنهم حين يفتحون شفاهم لا أكون منصتة إلا لأصواتي الداخلية.

أعلم أننا لم نلتقي، وبأننا ربما ما زلنا غرباء. لكني أستطيع أن أنهي يومي بأن أرسل نصاً لك،وألا أشعر بذنب إزاء الإدعاء الذي أعيش فيه كل يوم. حتى ولم ألتقي بك لهذه اللحظة، إلا أني كنت حقيقية أمامك.
 أنا اثرثر مجدداً، كن بخير. وسأحاول أن استجمع قواي لأعيش هذا اليوم أيضًا. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.