التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت// 2

أعلم أني لم أقم بالكتابة إليك منذ أشهر ربما, لكن هذا لا يعني أن فكرة كتابة رسالة لك أرقتني طوال الفترة السابقة. لم أقم بكتابة أي شيء يذكر خلال الثلاثة أشهر الماضية ولا تتصور مدى شعوري بالإحباط والذنب إزاء ذلك. 

الساعة الأن هي الثانية والنصف بعد منتصف الليل, في هذه الأوقات تحديداً, أي حينما أتأكد أن جميع من أحبهم يقبعون في أسرتهم, تنتابني رغبة محمومة في مشاهدة الأخبار والأنتحاب الشديد لحين أن تنفجر عيناي من البكاء.

5 سجائر مسروقة, وكوبان من القهوة, هم وقود هذه الليلة. لماذا كوبان قد تسأل نفسك, ربما كوبان من القهوة كفيلان بإشعالي لساعات الصباح الأولى. (وأنت على صواب).  قد تظن بأني لا أقوى على الكتابة الّان, لأن أصابعي الطويلة والمربعة ترتجف, وعلى الأغلب تظن بأني أستمع إلى موسيقى الجاز مجدداً, وبأني قد فردت حزني المعتاد على الطاولة.

حاولت عدة مرات أن أباشر بالكتابة إليك إلا أنني استصعب البدايات دائماً, الصعوبة الكبيرة تكمن بأن أصف لك أفكاري المشوشة والعنيدة بعد أن أجمعها في نقطة لأباشر الحديث عنها. 
ما زالت الأيام تضيع مني وتتسلل من بين أصابعي, وكلما حاولت أن أحكم قبضتي عليها أكتشف انها سقطت وضاعت مني إلى الأبد.

 (ربما أصبح كلامي هذا مألوفاً جداً بالنسبة لك).

تمر علي فترات كسل طويلة يكون خلالها دماغي ضبابياً للغاية, أتحول فيها إلى إنسان اّلي أو جثة متحركة- لأكون أدق- , أكل حين أجوع, أنام حين أنعس, أجلس حين أتعب من الوقوف وهكذا دواليك. تمر أيام وأشهر من دون أن أكون حاضرة فعلاً مع الحياة التي تحيطني. أمضي ساعات أستلقي فيها على سريري دون أن أفكر في شيء أو أن أتساءل عن شيء أو أن أتواصل مع العالم الخارجي بمحضِ إرادتي. صدقني هذا الشعور لا يبعث على السلام الداخلي أو السكينة على الإطلاق. الأمر أشبه بأن تكون مشلولاً لكن من الداخل, بأن تكون سجين نفسك. (هذا الوصف يناسب حواراً يكون على لسان أحد شخصيات موراكامي الغريبة التي نحبها. )  

عما أحدثك؟ ربما عن نوبات القلق التي تنتابني  قبل أن أغفو. تأتيني نفس الرؤية دائماً في تلك النقطة التي تكون معلقاً فيها بين اليقظة والحلم, لا تكون نائماً فيها تماماً ولا مستيقظاً تماماً, وهذا يجعل التجربة حقيقيةً لدرجةِ مروعة.

تتكرر التجربة ليلةً عقب ليلة,  أرى نفسي في ظلمةٍ حالكة, وأكون قد تحولت إلى أثير أو بخار , أجد نفسي في بقعةٍ من العدم. أخاف وأتخبط حول نفسي كأني أغرق. أتساءل, ماذا لو كانت النهاية هكذا, بهذه الوحدة والوحشة والظلمة؟. ألا تخيفك الفكرة مثلي؟.

 أستيقظ دائماً من تلك الحالة بأنفاس ثقيلة, وأجاهد إلى أن أحرك تلك الصخرة التي تقف على قلبي إلا أنني أفشل. لذا أشعل الضوء المنطفىء وأُعلي صوت الموسيقى في أذني وعوضاً عن الإنتحاب أكتب لك رسالة, لأستطيع أن أتنفس من جديد, وربما لأخلد إلى النوم بسلام هذه المرة.
سأحاول كتابة رسالة ملونة في المرة القادمة. إلى مجيء ذلك الوقت سأحاول أن أتماسك أكثر وأن أجمع شتاتي وأن أتوقف –ولو قليلاً- عن كوني كارثةً تترنح على قدمين.
حدثني أكثر عنك, وعما يجول في رأسك. رسائلك حلوةٌ مثلك, وتشعرني بالبهجة دائماً.
صديقتك القريبة والبعيدة جداً,
فوضى(:







 
 

تعليقات

  1. رسالة جميلة (ولن أقول حزينة!)

    ------------

    لا أعرف أحدا قادرًا على مقاومة رسالة ملونة..اكتبيها!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.