التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقطوعة جاز طويلة

لم يكن صرير السرير الحديدي القديم وملاءته القذرة  مزعجةً بقدر التأوهات المحتضرة التي تصدر من جسد المجهول الذي 
فوقها.

تغمض عينيها وتفكر بروحها التي صدأت أثناء محاولاتها لإحصاء عدد التأوهات التي اضطرت لاصطناعها أثناء بحثها عنه في تلك الأسرة الغريبة التي يتشابه جميع رجالها.

يخضها الغريب, تفتح عينيها, تحدق في ملامحه الشبقة. تمسح بعض لطخات أحمر الشفاه عن وجهه. تصدر بعض الهمهات التي تدعي اللذة. متجاهلةً رغبتها الشديدة للتكور حول نفسها للأبد منتظرةً الموت.       
*.*.* 


رائحة السجائر, والكحول والجنس  تفوح من الغرفة الصغيرة المظلمة التي لا تحتوي على نافذة -تماماً كالقبر-. "الموت موحش" تقول لنفسها والرجل ذو التأوهات المحتضرة ما زال عالقاً في جسدها. 

تغمض عينيها, تدندن ألحان مونك بصوت لا يكاد أن يسمع, تفكر بأن حياتها تشبه مقطوعة جاز طويلة, الموسيقى تصدح من حولها وهي عالقة في الفراغ الصامت الذي يفصل النوتة عن الأخرى. 

*.*.* 

المروحة المعلقة بالسقف تدور, وبدل أن تحرك هواء الغرفة المختنق, تحرك مشاعر ثقيلةٍ في نفسها. الصدوع المنتشرة على سقف القبر تتكاثر مع كل تأوهةٍ زائفة تصدرها.

عينيها مثبتتين على المروحة. تفكر في نفسها بأن الحياة لا تجري بشكل مستقيم. بل بشكل دائري تماما كدوران كالمروحة. 

 تفكر بأن النهايات مجرد بدايات زائفة. والبدايات ما هي إلا نهايات زائفة. نقفز من العدم إلى الوجود وهكذا دواليك. دوامة ألم لا تنتهي من الولادة والموت. تماماً كمقطوعة جاز طويلة. 

*.*.* 

الرجل المجهول يلهث جنبها منتشياً على السرير الحديدي الصدىء, هي تتكور عاريةً على نفسها تقابل الحائط الذي مزقته الرطوبة.

 تغمض عينيها, وتذهب إليه, تتمدد إلى جانب جسده العاري تحيطهما الموسيقى, تدفن رأسها العنيد في عنقه وتداعب التجاعيد الدقيقة حول عينيه لحين أن تختفي. تحدق في الفراغ الذي يظلل سوادهما. تتبخر معه إلى العدم, ويضيع كلاهما في تلك النقطة التي تنتهي فيها كل البدايات. ليبدأا من جديد.     


تعليقات

  1. ... تحيطهما الموسيقى

    nice.

    Jazz needs to be a long "thingy", short won't do, never!
    :)

    thx 4 sharing this

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.