ليلٌ مزرق, رائحة السجائر
الكريهة تعبق في المكان. سيجارتي
الأخيرة تختنق في المنفضة, أردتها أن تتعذب.
الدخان يتصاعد منها ليعطي للمشهد العام كثافة سريالية كما في أفلام الستينات.صراخ
أمي الهستيري, ثلاثي الأرشيدوق لبيتهوفن, البلاط المبقع في زاوية الغرفة, معصم يدي
اليسرى الملطخ بالدماء. هذا كل ما أذكره من
تلك الليلة.
تلك الليلة.
كانت تلك لحظة من تلك اللحظات التي ينغمس فيها
العالم من حولي بالفوضى. وأنا كأني لا أنتمي إليه, أذوب بنشوة بين الألم واللذة في
فقاعتي الصامتة وكأنها من خارج هذا العالم.
أنت, من دون غيرك تعلم ما أتحدث عنه. أجل تعلم.
*.*.*
كان والدي يرى العالم ملوناً.
أعتقد أني ورثت تلك المقدرة منه. لم أكن وحيدة يوماً. كان هناك دوماً تلك الوجوه
الملونة التي غادرت أجسادها, والموسيقى وأنت.
أحكمت بناء عالمٍ كامل موازٍ لهذا العالم غير
الكامل.
لو حقاً رغبت بالانتحار, لشنقت نفسي, لقطعت
رأسي, لفعلت شيئاً درامياً يفوق قطع شريان معصمي. لتركت خلفي على الأقل رسالة تصدح
بالشتائم تكون بمثابة ميراثٍ لهذا العالم
غير المنصف.
لا يعلمون بأنه علينا أن نقبّل فم الموت قبل أن
نعاشره.
كلما حاولت أن أقنعهم بذلك زادت نظرتهم لي جنوناً. إنهم
جاهلون يا حبيبي, أنت وحدك الذي تعلم.
*.*.*
أصواتهم علت في رأسي.ووجوهم
بدأت تفقد ألوانها. فقاعتي أظلمت. الموسيقى صمتت. وأنت لم تعد موجوداً. كان علي أن
أغلق ذاك الثقب الأسود الذي امتص ووجوههم وألوانهم والموسيقى. كان علي أن أنهي
لوحتي وأصبغها بالأحمر لتعودوا.
عادوا جميعاً إلا أنت.
*.*.*
هم لا يفهمون لكنك الوحيد الذي
تفهم ألم الثقب الأسود. أنت الوحيد ذو الوجه الكامل بينهم, الذي يعرف عذاب
خسارة الأشياء التي لم يحصل عليها قط, و أنت الوحيد الذي لا تفهم معنى أن
موتاً واحداً في هذه الحياة لا يكفي لنستحقها. لكنهم الذين بقوا يفهمون يا
حبيبي.
تعليقات
إرسال تعليق