التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيذكّر بالخريف



بتذكرك كل ما تيجي لتغيّم"


لم أعد أملك القوى على إحتمال فيروز وأغانيها الشريرة بعد اليوم. أجل, فخلف صوتها الملائكي يقبع شر مطلق يوقظ الشياطين في داخلي. فهي تمسك سكيناً  تفتق بها الجروح القديمة وتغرزها في أعماق ما تبقى من قلبي بدم بارد , وهي تغني بكل سلام على أنغام البيانو.

 أنزف حنيناً. وأتذكرك.
    *.*.*        

وجهك بيذكّر بالخريف"

كنت سنةً طويلة تجمع الفصول الأربعة بتناقضاتها. إلا أن الخريف أكثر الفصول شبهاً بك.أنت كالخريف, غامض وغير متوقع.

تشمسان تارةً, وتغيمان تارةً أخرى وتمطران بدون أي سابق إنذار.وتجعلان من مواكبة تغيراتكم السريعة مهمة مرهقة, لا بل مستحيلة. وكلاكما تختفيان بسرعة وتسرقان الشمس لتخلفا وراءكما شتاءاً قاسياً وخيبة. 


*.*.*

بترجع لي كل ما الدني بدها تعتم"   

لا لم يُخلق شيء في هذا العالم البائس, لسعادة الإنسان. كلا, فكل الأشياء تأمرت معاً وارتبطت بحبال شفافة لا نهائية لتجلب لنا التعاسة والحزن. ولنعيش حياتنا -منذ لحظة خلقنا- كالفئران المنتوفةالقابعة في بؤس نتن ,ندور في متاهة الحياة المعقدة ونحن نبحث عن قطعة الجبنة التي تسمى "السعادة". فنشقى ونتعس إن لم نعثر عليها. وإن قبضنا عليها يوماً, تتسلل من بين أيدينا لتضيع مجدداً, تماماً كالزئبق.

حتى الله شرير وأناني أيضاً, فهو حتماً يجد متعةً ولذة وهو يشاهدنا من شرفته نتعذب, ونتخبط في هذا الجحيم المتقع الذي رُمينا فيه عاريين ووحيدين مجردين من كل أسلحة البقاء. تماماً كالأموات.

*.*.*


"القصة مش طقس يا حبيبي
هاي قصة ماضي كان عنيف"

-حتماً ليست القضية هنا قضية طقس. ولا قضية خَلق. بل قضية ظلي الذي تنصف, والذي مازال بحوزتك.- 

لا أعلم لما الزمن يمثل بُعداً ضائعاً من حياتي.
 الماضي\الحاضر\المستقبل ليست سوى كلمات مجردة, لا تعني لي شيئاً وكأنها لا تخصني. فكأن الزمن كله قد فقد فحواه بالنسبة لي. وكل الأزمان تداخلت معاً في دوامة. وضاعت الحلقة التي تبقي حِس الزمن منطقياً إلى الأبد.

 أن تعيش بلا زمن, يعني أن تعيش في مقبرة, أي بدون إنتظار وربما بدون ذاكرة. وهناك تكمن حريتي.

                         *.*.*             
بس هلأ ما بتذكر شكل وجهك"
" بس بذكر قديش كان أليف

 أقسم بما تبقى من ظلي بأني قد نسيت وجهك, حتى عندما أنظر إلى صورك لا أذكرك. أشعر –تماماً- وكأني أحدق بجدار أبيض أو بفراغ. تبدو لي ملامحك الأليفة بعيدةً جداً, قذرةً جداً, فارغةً مني كالزمن.        
لا أعتقد أنك قادرٌ على تصور مدى عجز إنسان بلا ذاكرة –وبنصف ظل- يبحثُ عن وجه أصم بلا ملامح بين حشد من الناس!.

                        *.*.*          
                                       
ما الحياة سوى دائرة مفرغة, وسيناريو لفلم رديء, لم تسنح لنا فرصة إختيار أبطاله حتى. وإنما الليل, وفيروز, والموسيقى, والحب, والأفلام والسجائر ,والكحول قد سُّخروا  ليؤنسوا رحلة عذابنا الموحشة في هذا الكوكب العفن, وليجعلوا من الحب انتحاراً جميلاً نسعى إليه بمحض إرادتنا.




  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأرسلت. // 5

عزيزي X, تحية خريفية أرسلها  إليك من غرفتي التي تطل على مدرسة زيد بن حارثة للذكور. أنتظر ليل الشتاء بفارغ الصبر, فهو فسحتي الوحيدة الهادئة  التي أخلو فيها لنفسي من صخب الحي الذي لا يهدأ طوال ساعات النهار. لذلك سأستغل الهدوء لكي أكتب لك, لأن بعض أجزاء اليوم لا تنتمي إلا لمن يفهمها. كنت حاضرة غائبة خلال الأسابيع الماضية, أحاول من خلالها المضي قدمًا نحو بداية جديدة أرسمها لنفسي.  أشعر بأن داخلي متعفن, بأن الجرذ الذي نحاول التخلص منه في المطبخ قد نفذ إلى داخلي ووجد رفقة طيبة هناك. لم نضطر إلى وضع سم أو تركيب مصيدة أو حتى ارتكاب مجزرة، لقد وجد مخرجًا مسالمًا لنفسه, بعيدًا عن الضجيج والأذى. أنا بخير, لكن الرطوبة تنخر داخلي, أجاهد لأن أحافظ على فكري متقدًا, لأن أعيد إشعال داراته الكهربائية المنطفئة. داخلي بات يشبه  قبوًا  رطبًا, يصلح لأن يكون منبتًا للفطر لا للفن. وهذا محبط جدًا, تلك المرحلة الانتقالية التي حدثتني عنها منذ سنة تقريبًا طالت، وقد باشر صبري القليل بالنفاذ. لقد ارتكبت خلالها أخطاءًا جسيمة لن أغفرها لنفسي حتى أنجح بتخطيها. هذه الأخطاء الجسيمة ومعظم أسئلتي الوجودية

من الرسائل الحقيقية التي كتبت وأُرسلت.

  صديقي البعيد والقريب جداً, ڤانيلا الأزرق ,  لا تتخيل مدى سعادتي حينما قررنا أن نتبادل الرسائل الورقية, لم أكتب رسالة حقيقية من قبل, كنت دائما أكتب الغراميات لأصدقاء أخي في عيد العشاق حينما كنا صغاراً, كنت أبحث عن أجمل الكلمات وأحاول صفها بخط مرتب. مع أني لم أجد أحداً أتبادل معه الرسائل المكتوبة, إلا اني طوال عمري كنت بانتظار واحدة. تماماً كذلك الانتظار الطفولي الملون بالأمل. هناك شيء حميمي ودافىء للغاية في الرسائل, اكتشفت ذلك من خلال قرأتي لحقيبة الرسائل التي احتفظ بها والدي من أيام دراسته في الاتحاد السوفيتي. رسائل من جدي وعماتي وعمي غيث الذي قرأت عنه, ورسائل عاطفية تبادلها والديّ أثناء فترة الخطوبة التي قضوها بعيداً عن بعضهما بحكم المسافة.  لقد سلمني أبي الحقيبة كلها بحكم هوسي بكل شيء مكتوب على قصاصة من ورق, حتى لو لم يحمل معنىً مفيداً.  هي حقيبة زرقاء صغيرة تحمل رائحة الورق المعتق الممزوج برائحة الحبر السائل الذي يملىء الأقلام التي تعاد تعبأتها. الكثير من الرسائل التي في داخلها اصفر ورقها وتمزقت اطرافها. لكنها بالنسبة لي, تشكل بوابةً صغيرة لعالم فقد أبطاله, ولقصص طم

يوميات \\ 8

لم أعد قادرة على قراءة نتف البياض التي تفصل الكلمة عن الأخرى. انعكاسي الذي أراه في المراة بت أتحاشى النظر فيه واستعضت عنه بانعكاس اصطدمت به على نافذة غرفتي المطلة على عالم لشدة قربه مني أصبح بعيداٌ بحيث لم تعد تطاله يداي . أبتلع دخان سيجارتي لتهضمه رئتي ببطىء وأحدق في عيناي التي تطلان على الفراغ وأغور أكثر في تجويفهما وأفكر بأن نهاية العالم قد وجدت خط بدايتها في بقع الظلام التي تسللت إلى بطانة عيناي.   لم يعد النوم يظلل تعبي, لم أعد أكترث لساعات الأرق الطويلة التي أقتلها بالتدخي ن وبأحلام اليقظة, أحلم بأني نائمة وبرجل اسمه مطر عيناه زرقاوان وشعره ضبابي وله نفس ثقيل ينفث من بين شفتيه غيوماً في أوعية مدببة صنعت من البلور الأخضر. افتح نافذتي الصغيرة وأعود لأحدق في السقف لاكتشف بأني لم أغفو, بل تأرجحت فقط على درجات الحلم وتعثرت بها لأعود إلى الأرق ولتضيع الأيام وتنجرف الى ضفاف عيني, لتتلخص حياتي بأكملها بثقبين أسفل الحاجبين و ظل تجعيدتين خجولتين تتطلان كلما ابتسمت.