كنا متسمرين في غرفة الجلوس, نقتل الوقت بشرب القهوة و
تبادل الأحاديث الجانبية, حين فتح أخي باب
المنزل و طرقه بشدة و هو يصرخ بصوت غاضب ووجه مخطوف اللون, " انفجر عجل
السيارة و أنا بسوق, يعني الله ستر ما رحت فيها, و بعدين مع اللادا " انفجرت أنا ضحكاً, فكانت فصول اللادا لا تعد
ولا تحصى.
*.*.*
كم يعجبني ذلك الطفلُ الصغير الذي مازال يقطن والدي, و
كيف يرى السعادة و معانيها في محبوبته ناتاشا, و كيف يعاملها بأنها فرد منا. فرد
حي له مشاعره و كيانه. مع أنها بعد أكثر من عشرين سنة, باتت ناتاشا تشبه أشياء كثيرة عدا السيارة. لقد باتت
قطعةً من الخردة تتحرك على أربع عجلات, دهانها متاّكل , ضوءها الأمامي مكسور,جانبها
مبعوج ,أبوابها عالقة, و شبابيكها التي إن فتحت تحتاج لمعجزة لأن تغلق, زجاجها
الأمامي مشعور, و باب السائق الذي لا أستطيع أن أصفه إلا بباب الهاوية, فهو يفتح
من تلقاء نفسه عند "الكوربات"
الحادة, و إن كنت محظوظاً ستنجح من إغلاق الباب و السيطرة على المقود و
البقاء في مقعدك دون إحداث أي بلبلةٍ تذكر, و أن تكمل مشوارك بسلام إن لم تقطعك من
.البنزين و إن صمدت بطاريتها
*.*.*
أذكر مرة, حينما أخذ والدي اللادا لصيانتها. و عاد بهاالى
المنزل كالعروسة, مزينةً و مبهرجة. تطريزاتٌ نارية على الكراسي, طبع لمسدسات على مؤخرة
السيارة, و شعار سيارة "أوبل" معلقٌ على الوجه الأمامي. بدا منظر اللادا
أشبه بمنظر تسعيني يرتدي ملابس مراهق. سعادةُ أبي كانت لا توصف يومها, كان يستمتع
بأن يغدق محبوبته بدلاله.
لا أدري ماذا كان يفكر والدي حينها أو ماذا تراءى له
بتعليق شعار سيارة أخرى. إلا أني مازلت أذكر ردة فعل أمي الهستيرية, التي صعقت
بالمنظر الذي رأته. اتهمها والدي بالغيرة لاهتمامه بناتاشا أكثر منها, و اتهمت
والدي بالجنون و التبذير.
*.*.*
لايزال والدي
يعيش أمجاد الثمانينات التي أمضاها في أحضان الإتحاد السوفيتي. الذي مع انهياره,
انهارت أحلامه هو الاّخر. إلا أن ذكريات تلك الأيام, لا تبارحهُ. لعله يجد فيها
مهرباً من وطأة الواقع. فكلما ضاقت عليه الدنيا, يجلس وراء مقود اللادا و يشغل
شريط نانسي عجرم ليعود "شيخ الشباب" الذي كان عليه.
nice memories :)
ردحذف=))
حذفمبدعة صديقتي ما اروع كلماتك.
حذف